جدلية الفني والتاريخي في رواية"كتاب األمير" أبواب الحديد لواسيني األعرج

Transkript

1 الجمهورية الج ازئرية الديموق ارطية الشعبية و ازرة التعليم العالي والبحث العلمي جامعة محمد خيضر بسكرة كلية اآلداب واللغات قسم اآلداب و اللغة العربية جدلية الفني والتاريخي في رواية"كتاب األمير" مسالك أبواب الحديد لواسيني األعرج شهادة لنيل مقدمة مذكرة في الماجستير اآلداب و اللغة العربية تخصص : السرديات العربية إعداد الطالب: إش ارف األستاذ الدكتور: محمد سالمي امحمد بن لخضر فو ارر بشير تاوريريت أستاذ التعليم العالي جامعة بسكرة رئيسا امحمد بن لخضر فورار أستاذ التعليم العالي جامعة بسكرة مشرفا ومقررا ال س عيد لراوي أستاذ التعليم العالي جامعة باتنة عضوا مناقشا نزيهة زاغز أستاذ محاضر- أ- جامعة بسكرة عضوا مناقشا 2016 م السنة الجامعية: 1437/ 1436 ه - /2015

2 اإلهداء : والدي إلى العزيزين... إلى أفراد عائلتي كلهم...

3 مقدمة

4 مقدمة : مقدمة ظلت الرواية جنسا أدبيا قائما على حد أدنى من الوضوح المفهومي حيث تتملص من كل تعريف دقيق واضح بين عد ها نصا لغويا تخييليا وعد ها من جهة جنسا منفتحا على كثير من الحقول والمعارف والخطابات والعالمات التي تشكل بنيتها المعقدة من جهة ثانية حيث مارست نوعا من التفاعل والتالقح بين هذه األنساق المعرفية والخطابات األدبية وغير األدبية مما جعلها جنسا خالسيا لألجناس كلها على حد تعبير مخائيل باختين. وضمن هذه األنساق المعرفية المتفاعلة يأتي "التاريخ" بوصفه األحداث والتمثالت الواقعية السابقة المتجهة نحو الماضي التي عرفت آكل منظومة من حضورا قويا ومتميزا داخل بنيات النصوص اإلبداعية عموما والنصوص الروائية خصوصا. إن أول ما يمكن مواجهته هو تلك العالقة العويصة بين الرواية والتاريخ وما تثيره من إشكاالت عديدة يتحكم فيها اإلقرار بأن الرواية جنس تعبيري يبحث عن آفاق كتابية مختلفة ومتجددة وجدت في التاريخ وقدسية الحقيقة التاريخية ما تسعى نحو خلخلة المعطى والمألوف فإنها كانت تصبو الرواية والتاريخ/ التخييلي والواقعي عالقة معقدة ومثيرة للجدل. إليه وبهذا فإن بين ومن جملة التساؤالت واإلشكاالت التي سنعالجها في بحثنا هذا ومن خالل مستويين اثنين يلخصان لنا اإلشكالية األساسية "جدلية الفني و الروائي" حيث يكشف النص في التاريخي لنا المستوى األول عن آليات تواصل المتن التاريخي بالكتابة الروائية حيث يبرز لنا هذا المستوى طبيعة التضايف والتقاطع بين التاريخ باعتباره واقعا والرواية باعتبارها تخييال أما المستوى الثاني الذي يكشف لنا "الهوية السردية الجديدة" حسب رأي بول ريكور والتقاطع بين التاريخ والتخييل بواسطة فنيات السرد. مواصفات التي أنتجت بفعل هذا التضايف أ

5 مقدمة ولقد اخترت رواية جزائرية معروفة "كتاب األمير" مسالك أبواب الحديد لواسيني األعرج وهذا االختيار أملته علينا عدة اعتبارات أهمها: كون الرواية تتصل بعرض سيرة شخصية بطولية فريدة من نوعها وذات شأن عظيم في التاريخ الجزائري الحديث هي شخصية "األمير عبد القادر" التي يفتخر بها كل جزائري وألن هذا العمل الروائي استطاع من خالله واسيني األعرج إعادة كتابة حقبة من تاريخ الجزائر الحديث حيث قام بصياغته بطريقة فنية تتماشى مع قواعد الفن الروائي والخروج به من دائرة اليقين التاريخي إلى دائرة اإليحاء السردي فالرواية تعتبر نصا روائيا حداثيا يالمس الواقع الجزائري المأزوم - فترة التسعينات - ويعالج مسألة حوار الحضارات وصراع الثقافات في ظل ما بعد الحداثة والعولمة. وهكذا قادتني هذه االعتبارات في التفكير عن العالقة بين الرواية والتاريخ والحدود الفاصلة بينهما فجاء عنوان بحثي الموسوم: "جدلية الفني والتاريخي في رواية "كتاب األمير" مسالك أبواب الحديد لواسيني األعرج". هذا العنوان "جدلية الفني والتاريخي" يقوم على حوارية موسعة تمكنه من إبراز آليات تشكل التاريخ عبر بالغة المتخيل الروائي من خالل إمكانية الوقوع واالحتمال فاقتضى بالضرورة توظيفا للمنهج البنيوي وآليات علم السرد وهذا للوقوف على فنيات السرد الروائي وتقنياته مع المزاوجة بينه وبين المنهج السيميائي لكونه مالئما لتفحص أسس الرواية وتفكيك بالغتها التي تقودنا إلى عالم المعنى الكامن وراء بنياتها األساسية استفدت من "نظرية القراءة والتأويل" إذ تتماشى مع مبدأ تعدد القراءات والتأويالت. أما خطة البحث فجاءت مؤسسة على ثالثة فصول حاولت من خاللها التقصي والبحث عن العالقات بين الرواية والتاريخ في رواية "كتاب األمير" متجاوزا بذلك التأريخ للرواية التاريخية العربية والجزائرية وحركة التجريب التي ب

6 صحبتهما وهذا كو ن البحث محصورا الدراسة التطبيقية. فقد جاء الفصل األول مقدمة معنونا ب ج في رواية "كتاب األمير" حيث ركزت على "حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" فقد تطرقت فيه إلى الجانب التنظيري لهذه الدراسة حيث استحضرت بعض المفاهيم والتحديدات االصطالحية للكشف عن الدالالت الواضحة لكل من ( التاريخ الرواية التاريخية التخييل التخيل التاريخي ( والتي كانت منطلقات للتفكير في العالقة بين الرواية والتاريخ وكما تحدثت عن التخييل الروائي وخطاب التاريخ انطالقا من البحث في إستراتيجية النقل التاريخي وسلطة التخييل من خالل تجلياته في الرواية التي تؤسس واقعا متخيال ينهض على بالغة الطمس وظنية التاريخي وفي هذا الفصل أيضا تكلمت عن اإليديولوجيا بين البعدين الفني والتاريخي داخل الرواية. الفصل الثاني الموسوم ب "آليات اشتغال المحكي واإلخبار التاريخي في رواية "كتاب األمير"" حيث قمت بتحديد مضامين المحكي الروائي ووقفت مميزات وخصائص كل منها ( الزمن زاويا الصيغة على الرؤية ( وكما تطرقت إلى كيفية تعلق اإلخبار بهذا المحكي مبينا في األخير آليته الفنية باعتباره معطى تخييلي يتمظهر في الفواتح النصية الموازية والمتاخمة. الفصل الثالث الموسوم ب "الشخصية الروائية وبعدها التاريخي في رواية "كتاب األمير" فقد تناولت فيه بناء الحدث في الرواية ألن دراسة الشخصية والحدث متالزمان منهجيا حيث درست عنصر الشخصية مبينا مفهومها ومراحل تطورها وكان التركيز على تصنيفاتها وتقسيماتها داخل النص الروائي ثم قمت بتسليط الضوء على شخصية األمير عبد القادر من حيث بنائها الواقعي والتخييلي في الرواية. فجاءت البحث خاتمة أما بجملة من النتائج واالستنتاجات المعرفية التي أسفرت عنها الدراسة وجعلتنا نأخذ تصورا عاما حول البحث ثم أعقبت الخاتمة "ملحق" يتحدث عن واسيني األعرج وتجربته اإلبداعية الروائية ومكانته األدبية. ب

7 مقدمة وفيما يخص الدراسات السابقة التي تناولت رواية "كتاب األمير" من عدة زوايا نجد: - سعدية بن ستيتي فنية التشكيل الفضائي و سيرورة الحكاية في رواية "كتاب األمير" أطروحة دكتوراه العلوم إشراف األستاذ إبراهيم صدقة جامعة سطيف 2013/ عجيري وهيبة فنيات السرد في رواية "كتاب األمير" رسالة ماجستير إشراف األستاذ صالح مفقودة جامعة بسكرة / العلمي مسعودي فضاء المتخيل والتاريخ في رواية" كتاب األمير" رسالة ماجستير إشراف األستاذ العيد جلولي جامعة ورقلة 2010/2009. وحتى تتحقق غاية البحث فقد أفادتني بعض الدراسات والمراجع التي اهتمت بالتأطير العام الذي يجمع بين الرواية والتاريخ / التخييلي والواقعي والتي وجدت صعوبة كبيرة في الحصول عليها ومن أهمها المراجع: - الرواية والتاريخ: نضال الشمالي. - الرواية والتاريخ: عبد السالم أقلمون. - الرواية والتاريخ: محمد القاضي. - التخيل التاريخي: عبد هللا إبراهيم. - أبحاث ملتقى الباحة األدبي الخامس 1433 ه " الرواية العربية الذاكرة والتاريخ" بالمملكة العربية السعودية. - الشرط التاريخي وإيحاءات الغيرية في رواية "كتاب األمير": أحمد يوسف. - الروائي والتاريخي في "كتاب األمير" لواسيني األعرج جدل األنا واآلخر وتحيين التاريخ: الطاهر رواينية. وفي األخير أتقدم بالشكر الجزيل ألستاذي الفاضل األستاذ الدكتور: امحم د بن لخض ر فورار الذي تفضل باإلشراف على هذا البحث د

8 مقدمة و تحمل مشاق قراءته وتصويبه ومتابعته إن كنت قد أخطأت فما من قصد وهللا من وراء القصد فله علي ما أنعم وله الشكر على ما أسدى. ه

9 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" 1- تحديد المفاهيم ومنطلقات التفكير مفهوم التاريخ مفهوم الرواية التاريخية مفهوم التخييل مفهوم التخيل التاريخي. التخييل الروائي وخطاب التاريخ. إستراتيجية النقل التاريخي تجليات المتخيل الروائي فاعلية الطمس التاريخي عبر بالغة التخييل الروائي إستراتيجية التقدير بين ظنية التاريخي وفاعلية التخييل الروائي اإليديولوجيا بين الوعي الفني والوعي التاريخي. مفهوم اإليديولوجيا عن العالقات بين الرواية واإليديولوجيا اإليديولوجيا بين البعدين الفني والتاريخي

10 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" المفاهيم ومنطلقات التفكير: 1- تحديد إن العالقة بين الرواية والتاريخ انفتاحات معرفية واسعة االنتشار والتشابك احتواء األدبية عالقة قديمة وحديثة ومتجددة وهذا ذات "كون الرواية من أكثر األجناس للمعرفة اإلنسانية في العصر الحديث فكل ما في الحياة هو من اهتمامها فالنفس والمجتمع والمشاعر والتاريخ والماضي والحاضر من الحياة". 1 فهي عند باختين غيره جنس ال قانون له". 2 Bakhtine " جنس حواري آكل لألجناس كلها وإذا هي عند ولعل طبيعة التفريق بين "التاريخ الذي هو خطاب نفعي يسعى إلى الكشف عن القوانين المتحكمة في تتابع الواقع" 3 والرواية التي هي "خطاب جمالي تقد م فيه الوظيفة المرجعية" 4 أسهمت في تكوين مفارقة قوامها تضايف ما ال يجتمع في األصل فالرواية والتاريخ ينتميان إلى حقلين متباعدين تماما فالرواية تعمل على المادة التخييلية والتاريخ يعمل على المادة الواقعية "ولما كانا ينتميان إلى مملكة السرد صارت أشكال التبادل بينهما ميسورة نسقيا وسيبقى على سيرورة االستيعاب المتبادل أن تعمل على تكييف سياق التلقي مع القابلية النسقية حيث يكون بإمكان الرواية أن تستقبل مواد تاريخية لتشيد كي ان سردي دال فني ا". 5 وبناء على ذلك فإن بين الرواية والتاريخ "أسيقة سيميائية وأفضية من الدالالت المفتوحة تراعي القوانين السردية المتباينة بين صرامة النحو وسيولة - عبد الرزاق بن دحمان الرؤية التاريخية في الرواية الجزائرية المعاصرة "روايات الطاهر وطار 1 أنموذجا" أطروحة دكتوراه علوم إشراف: الطيب بودربالة جامعة الحاج لخضر باتنة 2013/2012 ص: محمد القاضي الرواية والتاريخ دراسات في تخيل المرجعي دار المعرفة للنشر تونس ط ص:.85 - عبد هللا إبراهيم التخيل التاريخي السرد واإلمبراطورية والتجربة االستعمارية المؤسسة العربية 3 للدراسات والنشر بيروت ط ص : المرجع نفسه ص: عبد السالم أقلمون الرواية والتاريخ )سلطان الحكاية وحكاية السلطان( دار الكتاب الجديدة المتحدة 5 بيروت ط ص:

11 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" الداللة المفتوحة" 1 التي تنبني عليها عدة إشكاالت وتساؤالت ترتبط بماهية التاريخ والرواية والبحث عن آليات اشتغال التاريخ في الرواية وكيف تعيد صياغته تخيليا 1-1 -مفهوم التاريخ: 8 جاء في لسان العرب أن " التأريخ: تعريف الوقت والتوريخ مثله أر خ الكتاب ليوم كذا: وق ت ه" 2 فالعرب لم تعرف علم التاريخ إال في عهد عمر بن الخطاب رضي هللا عنه إذ "أن التأريخ الذي يؤرخه الناس ليس بعربي محض وإن المسلمين أخذوه عن أهل الكتاب وتأريخ المسلمين أ ر خ من زمن هجرة سيدنا رسول هللا صلى هللا عليه اليوم". 3 للتاريخ عدة وسلم كتب في خالفة عمر رضي هللا عنه فصار تاريخا إلى إذ مفاهيم عرفه المسلمون بأنه :"علم الخبر"»فن أو األخبار«" 4 ويقول ابن خلدون: "حقيقة التاريخ أنه خبر عن االجتماع اإلنساني الذي هو عمران العالم وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من األحوال مثل: التوحش والتأنس والعصبيات وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض وما ينشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع وسائر ما يحدث في ذلك العمران بطبيعته من األحوال" 5 وعلى هذا التعريف يستند الوقائع والتاريخ األخبار عبد هللا العروي إذ ال فرق عنده بين التاريخ مما يعني أن التاريخ ال ينفصل عن اإلنسان وخاصة اإلنسان المتخصص الذي يسميه بالمؤرخ وفي هذا السياق فإن التاريخ والمؤرخ - أحمد يوسف الشرط التاريخي وإيحاءات الغيرية في رواية" األمير" لواسيني األعرج مجلة التواصل 1 جامعة باجي مختار عنابة ع 29 ديسمبر 2011 ص :74. - ابن منظور لسان العرب تح: عبد هللا علي الكبير محمد أحمد حسب هللا هاشم محمد الشاذلي دار 2 المعارف القاهرة د.ط د.ت مج 1 ص: المصدر نفسه ص: ينظر: عبد الرزاق قسوم فلسفة التاريخ دار الكلمة للنشر والتوزيع المنصورة مصر ط ص :.11 - ابن خلدون مقدمة دار ابن الجوزي للطبع والنشر والتوزيع القاهرة ط ص: 29. 5

12 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" مث الزمان معا وقبل كل منهما عهد الال تاريخ أو ما قبل التاريخ سوى أخبار يتداولها البشر ال تستحق الذكر. 1 الذي لم يصلنا منه أما ميشال فوكو Foucault( )Michel فيرى في التاريخ مجموع "وقائع التجربة اإلنسانية أي ما يجري من أحداث في الحياة سواء كان ماضيا أو حاضرا" 2 ومن بين هذه المفاهيم - وهو أجرأها أن ما يكتب عن ماضي الشعوب من كتابات يصفها أحد الدارسين بالتاريخ المكتوب history( )Writing عبر"تحويل المادة التاريخية إلى كتابة ينجر عنه أن تكون هذه الكتابة ضربا من األدب بحسب هايدن وايت Hayden( )White الذي يرى أال وجود للوقائع التاريخية دون أن تكون مكتوبة بواسطة ذات كاتبة موسومة باإلبداع وهي تكتب قصة مصوغة صياغة مشوبة بذاتية صاحبها". 3 كما أن التاريخ في أبسط تعاريفه هو "حكاية عن الماضي أو مجموعة األحداث والوقائع اإلنسانية التي مضت وانتهت لكنها قابلة للتحول والتفسير والتأثير وهي أحداث ووقائع تترك بصماتها وآثارها في الحاضر والمستقبل وتسهم في تشكيل السلوك اإلنساني عامة والفعل اإلبداعي ومنه األدب خاصة". 4 وهكذا نجد واسيني األعرج في تحديده لمجال التاريخ يصوره على أنه "المادة المنجزة التي مر عليها زمن يضمن حدود المسافة التأم لية بينه وبين تلك المادة". 5-1 ينظر:عبد هللا العروي مفهوم التاريخ المركز الثقافي العربي المغرب ط ص: محمد بن محمد الخبو تشكيل التاريخ في النص الروائي أبحاث ملتقى الباحة األدبي الخامس 1433 ه "الرواية العربية الذاكرة والتاريخ" مؤسسة االنتشار العربي بيروت ط ص: المرجع نفسه ص: عزيز شكري ماضي في نظرية األدب المؤسسة الوطنية للدراسات والنشر بيروت ط ص: عبد هللا إبراهيم التخيل التاريخي ص: 11. 9

13 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" وفي هذا الصدد يقترح الناقد الفرنسي بيير باربريس )P.Berberis( في دراسته الموسومة ب"النص األدبي والتاريخ" وجود ثالثة معان تتضمن الداللة نفسها والتي تحدد لنا مفهوما واسعا لمصطلح التاريخ. 1 - التاريخ كواقع ومسار وصيرورة موضوعية لما يجري في المجتمع من أحداث وتطورات وصراعات منفصلة عن االنسان والتصورات الفردية. - التاريخ كخطاب ونوع معرفي يأخذ التاريخ باعتباره موضوع علمي و يكسبه وجودا عبر إجراءات خطابية ومفهومية. - التاريخ باعتباره حكاية أو قصة أو أقاويل أو Histoire أو حكي أو سرد أدبي ما يقصه األدب وهذا العمل التصويري المتصل أساسا بمادة التشكيل أدبي التي تمتلك بعدها التاريخي بسبب اندراجها في سياق زمني. وإننا نلفي في هذا السياق الفيلسوف هيجل Hegel في مؤلفه"محاضرات في فلسفة التاريخ" يقرو بوجود عالقة زمنية وتصورية بالحدث والمرتبطة أساسا باإلنسان وتطوره الحضاري ويبدو أن هيجل اكتفى بالوقوف على مجموعة من المالحظات العامة حول التاريخ )التاريخ الكلي أو التاريخ العام( بحيث بدأ يفحص المناهج المختلفة التي يمكن أن يكتب بها التاريخ وحصرها في ثالثة أنواع كبرى وهي : 2 1- التاريخ األصلي -2 - التاريخ النظري- 3- التاريخ الفلسفي. ويرى الباحث عبد اللطيف محفوظ أن هذه التقسيمات أوالتصنيفات التي اقترحها هيجل تنطبق على المؤرخين وتماثل الروائيين التاريخيين فالتاريخ األصلي "أي التاريخ الذي يكتبه المؤرخ وهو يعيش )أصل( األحداث ومنبعها. ويماثل هذا النوع الرواية الواقعية والرواية الطبيعية اللتين تتسمان - 1 ينظر: عمار بلحسن الرواية والتاريخ في الجزائر نقد المشروعية مجلة التبيين الجزائر عدد 7 سنة 1993 ص: ينظر: هيجل محاضرات في فلسفة التاريخ )العقل في التاريخ( تر. تق: إمام عبد الفتاح إمام دار التنوير بيروت ط ج 1 ص:

14 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" بمحاولة وصف الجدل المعتمل بين القوى الفاعلة داخل الواقع المدرك التي تتصارع بهدف تغييره أو تثبيته" 1 أما التاريخ النظري: "فيقصد به التاريخ الذي يكتبه مؤرخ ال ينتمي إلى الحقبة المؤر خ لها حيث ال تكون المشاهدة أو الحضور المزامن آليتين إلدراك الموضوع التاريخي بل تعوضهما الوثائق المختلفة التي ليست دائما أمينة أو واقعية]...[ ومن الواضح أيضا أن التاريخ النظري يشاكل إلى أبعد الحدود الرواية التاريخية التي هي األخرى عودة إلى التاريخ األصلي وفق إستراتيجية معينة والخطابان معا يمارسان التمثل المضاعف للوقائع المختفية أصال خلف اللغة". 2 أما النوع األخير: التاريخ الفلسفي "الذي يعني بشكل أو بآخر دراسة التاريخ من خالل الفكر فيماثل الروايات التي تحول الشخصيات التاريخية أو الحدث التاريخي إلى محفز وحسب لتشيد من خالله عوالم معقولة تحاول رسم الجوهري والعميق الخاص بتلك الشخصية وذاك الحدث". 3 إن النوع الثاني "التاريخ النظري" يشاكل الرواية التاريخية إلى حد بعيد في الكيفية المخصوصة التي تتشكل من خاللها الوقائع الماضية عبر بناء نصي / لغوي. مفهوم 2-1- الرواية التاريخية: يعرف النقاد الرواية أنها: "قصة خيالية ذات طابع تاريخي عميق" 4 وهذا مما يدل على العالقة الوطيدة الرابطة بين التاريخ والرواية وتنبع هذه العالقة من القوة الكابحة للسرد وهي تشده إلى قيد حقيقة التاريخ وموضوعيته إن من منظور الفلسفة وإن من منظور العلم. ولكن الخيال تواق بالترحال إلى مناطق التاريخ الملغمة والراغب في العبور إلى جيوبه المظلمة وكذا استنطاق ماال يحمد السؤال - 1 عبد اللطيف محفوظ الصوغ الحكائي في الرواية التاريخية أبحاث ملتقى الباحة األدبي الخامس 1433 ه "الرواية العربية الذاكرة والتاريخ" ص: المرجع نفسه ص: المرجع نفسه ص: محمد رياض وتار توظيف التراث في الرواية العربية منشورات اتحاد كتاب العرب دمشق 2002 ص:

15 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" حوله سواء أتعلق األمر بالذات أم بالجماعة 1 وتتجلى هذه العالقة من طبيعة الفن الروائي نفسه الذي يقوم على تصوير الواقع تصويرا فنيا تخييليا. وعلى هذا النحو يتبين لنا أن التاريخ يشكل مادة أساس للروائي منه يستمد موضوعاته وشخصياته وأحداثه وعوالم نصه الروائي مما يعني "أن التاريخي يصبح مكونا روائيا قادرا على التشخيص واالستنطاق خارج االفتراضات المسبقة التي )قد( تستدعيها إمكانات الكتابة والقراءة على حد السواء" 2 فالرواية أقرب الفنون األدبية إلى التاريخ 3 ولعل خاصيتها الروائية القائمة في زمنيتها جعلت منها نصا زمنيا بامتياز حيث "جعلت منها نصا تسجيليا للتاريخ رفد التاريخ الحقيقي بمادة متخيلة تحكي فنيا أحداث التاريخ عبر ترتيبها وتأويلها حكايات تخترق الروايات الرسمية للتاريخ". 4 وهذه الحوارية بين التاريخ والرواية تتجسد من خالل التفاعل بينهما من جهة والتمايز بينهما من جهة أخرى وقد يتماسان ويتداخالن ويتخارجان )يتمايزان( وقد يتكامالن ويتشاكالن في لحظات بعينها. كل هذا أوقعنا في أزمة إجناسية تبشر بظهور جنس أدبي جديد عرف كيف يجتذب إليه قراءه من خالل موضوعاته الحساسة المتصلة أصال بالتاريخ وهذا الجنس األدبي عرف باسم الرواية التاريخية. ومبدئيا يجب أن ندرك أن الرواية التاريخية تستمد أحداثها من التاريخ بل شخصياتها أيضا فهي "تنبني حكائيا على التاريخ وتقتات عليه وتتشكل منه وتضيف عليه وتختزل منه وتتصرف فيه ولكنها ليست تاريخا" 5 فالرواية كيان مستقل - 1 ينظر: أحمد يوسف الشرط التاريخي وإيحاءات الغيرية ص: عبد الفتاح الحجمري هل لدينا رواية تاريخية مجلة فصول في النقد القاهرة ع 3 مج: 16 شتاء 1997 ص:.62-3 ينظر: عزيز شكري ماضي في نظرية األدب ص: رفيف رضا صيداوي الرواية العربية بين الواقع والتخيل دار الفارابي بيروت ط ص: نضال الشمالي الرواية والتاريخ بحث في مستويات الخطاب في الرواية التاريخية العربية عالم الكتب الحديث األردن ط ص:

16 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" وهي عبارة عن فن ويجب أن تقرأ على هذا األساس 1 ويجب أن يتعامل معها القارئ وفق هذا المنطق. وإذا كانت الرواية التاريخية ترى في التاريخ المنبع الثري والم ع ين الذي ال ينضب في تدعيم الروائي "بالمادة الحكائية التي يشكلها المبنى" 2 وهذا ما يجعلها "ممتلكة لخطاب يعتمد تجربة التخييل ويقيم رغم ذلك عالقة يريدها حقيقية مع التاريخ. فيغدو موضوع التخييل هو التاريخ" 3 أي التاريخ الذي يمتلك مراجع وموضوعا وواقعا محددا سلفا. وكما هو معلوم فإن الرواية التاريخية "تعتمد على مرجعيتين في بناء العمل أوالهما: مرجعية حقيقية متصلة بالحدث التاريخي )الحكاية( وثانيهما :مرجعية تخييلية )روائية( مقترنة بالحدث الروائي فإن المرجعية األولى مرجعية نفعية والمرجعية الثانية مرجعية جمالية" 4 فليس هناك شك إذا في أن الرواية التاريخية تنطلق من الخطاب التاريخي "ولكنها ال تنتسخه بل تجري عليه ضروبا من التحويل حتى تخرج منه خطابا جديدا له مواصفات خاصة ورسالة تختلف اختالفا جذريا عن الرسالة التي جاء التاريخ مضطلعا بها" 5 وبهذا األفق تقتضي الرواية التاريخية وجود واقع تاريخي كامن وراء إنتاجات تخيلية روائية. 6 ومن الصعب أن نصل إلى تحديد فني ثابت لمفهوم الرواية التاريخية إذ عرفها الباحثون تعريفات مختلفة فنجد الباحث جورج لوكاتشLukács George يعرفها فيقول: "إنها رواية تثير الحاضر ويعيشها المعاصرون بوصفها تاريخهم ينظر: عزيز شكري ماضي في نظرية األدب ص: 149. نضال الشمالي الرواية والتاريخ ص: 109. عبد الفتاح الحجمري هل لدينا رواية تاريخية ص: 62. نضال الشمالي الرواية والتاريخ ص: 124. عبد هللا إبراهيم التخيل التاريخي ص: 09. ينظر: عبد الفتاح الحجمري هل لدينا رواية تاريخية ص: 62.

17 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" السابق للذات" 1 وهذا التوصيف يعكس هدفا من أهداف اللجوء إلى الماضي أال وهو إثارة الحاضر من خالل الماضي. 2 ويعرفها ألفرد شيبارد Alfred Sheppard بقوله: "تتناول القصة التاريخية الماضي بصورة خيالية يتمتع الروائي بقدرات واسعة يستطيع معها تجاوز حدود التاريخ لكن على شرط أن ال يستقر هناك لفترة طويلة إال إذا كان الخيال يمثل جزءا من البناء الذي سيستقر فيه التاريخ" 3 وهذا التوصيف يبين لنا أن الرواية التاريخية عودة للماضي ولكن بغية إنتاجه مجددا إنتاجا يتجاوز حدود التاريخ وإحيائه عن طريق التخييل واللغة. أما جوناثان فيلد J.Field فيعرفها بقوله: "تعتبر تاريخية عندما تقدم تواريخ وأشخاصا وأحداثا يمكن التعرض إليهم". 4 وفي السياق نفسه يرى بيكر Baker أن الرواية التاريخية "تلك الرواية التي تتناول عادات بعض الناس مكتوبة بلغة حديثة" 5 ومن خالل هذا التعريف وعلى وجازته نالحظ بأنه يغلب فنية الرواية التاريخية على تاريخيتها فالتاريخ عنده مادة يشكلها الروائي بلغته الفنية الحديثة. ونجد للباحث سعيد يقطين تعريف آخر حيث يرى أن كل التعريفات والتحديدات التي تقدمها لنا المعاجم والدراسات المختصة حول مفهوم الرواية التاريخية تكاد تتفق على "كون الرواية التاريخية عمال سرديا يرمي إلى إعادة بناء حقبة من الماضي بطريقة تخيلية حيث تتداخل شخصيات تاريخية مع شخصيات - 1 فيصل دراج الرواية وتأويل التاريخ )نظرية الرواية والرواية العربية( المركز الثقافي ط ص: ينظر: نضال الشمالي الرواية والتاريخ ص: المرجع نفسه ص: المرجع نفسه ص: المرجع نفسه ص: 114. العربي المغرب 14

18 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" متخيلة وإننا في الرواية التاريخية نجد حضورا للمادة التاريخية لكنها مقدمة بطريقة إبداعية وتخييلية". 1 وبالتالي الرواية التاريخية عمل فني "ينهض على أساس مادة تاريخية ولكنها تقدم وفق قواعد الخطاب الروائي )القائم على البعد التخييلي مهما كان واقعيا أو حقيقيا( وهذا التخييل هو الذي يجعلها مختلفة عن الخطاب التاريخي". 2 ومن هذا المنطلق يتضح لنا الفرق بين مهمة المؤرخ والروائي وهذه الفروق لخصها لنا عزيز شكري ماضي فيما يلي: 3 - من حيث القيمة: تبرز قيمة عمل المؤرخ في الوصول إلى الواقعية بينما الحقيقة لنا تظهر قيمة عمل الروائي في الوصول إلى الجمال والتأثير. - من حيث الوقائع / الظواهر التاريخية: يلتزم المؤرخ بعرض الوقائع التاريخية بدقة ويبدو عمله مقيدا بأحداث التاريخ ومعطياته بل يجمع الوثائق ويقوم بتمحيصها وتصفيتها وفق أدوات علمية ومنهجية صارمة ليظهر عمله دقيقا أما الروائي فإنه يتعامل مع الوقائع واألحداث بشكل مغاير عن المؤرخ فهو ينتقي ويحور ويعدل ويغير في الوقائع فاألمانة هنا ال تحول عمله إلى فن. - 1 سعيد يقطين قضايا الرواية العربية الجديدة الوجود والحدود منشورات االختالف الجزائر ط ص: المرجع نفسه ص: ينظر: عزيز شكري ماضي في نظرية األدب ص:

19 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" - من حيث الموضوعية: إن المؤرخ الذي يستحق هذه التسمية يجب أن يكون موضوعيا أي عليه أن يتخلى عن أهوائه وميوله أما الروائي فعاطفي منحاز إنه منتم متبع لميوله فالعالقة قوية وحميمية بين الكاتب الروائي والتجربة الروائية. من حيث المضمون و الشكل: - يهتم المؤرخ بالمضمون والمحتوى العام الذي يشكله نسق الكتابة التاريخية ويهتم الروائي بالشكل الذي يمنح المحتوى قيمته وتأثيره الفني. - من حيث اللغة: إن لغة المؤرخ دقيقة وعلمية و تقريرية و غايتها التوصيف العلمي الروائي فإيحائية وإيمائية و تصويرية وهدفها التأثير الفني. لغة أما وبناء على ما سبق يطرح لنا الباحث نضال الشمالي تعريفا جامعا مانعا دقيقا للرواية التاريخية إذ يرى أنها "خطاب أدبي ينشغل على خطاب تاريخي مثبت سابق عليه انشغاال أفقيا يحاول إعادة إنتاجه روائيا ضمن معطيات آنية ال تتعارض مع المعطيات األساسية للخطاب التاريخي وانشغاال رأسيا عندما تحاول إتمام المشهد التاريخي من وجهة نظر المؤلف إتماما تفسيريا أو تعليليا أو تصحيحيا لغايات إسقاطية أو استذكارية أو استشرافية" 1 بما يتوافق مع حاجات الروائي الفنية نضال الشمالي الرواية والتاريخ ص: 117.

20 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" 3-1- مفهوم التخييل: إن الرواية بمعنى ما هي "نص لغوي تخييلي مركب بمرجعيات وتيارات" 1 ومن خالل حضور الخاصية التخييلية في النص الروائي وباعتبارها األساس الذي تقوم عليه والتي هي في بعض جوانبها «خاصية أجناسية«حيث نجد أنفسنا أمام إشكالية تطابق المرجعي بين بنيات النص اإلبداعي وبنيات الواقع المعطى. إذا ما هو مفهوم التخييل وما هي طرق اشتغاله وسيرورة تطوره وإذا ما عدنا إلى الجذر اللغوي «خيل«في معجم لسان العرب نجد: "خال الشيء يخال خيال وخاال وخيال...: ظنه وفي المثل: من يسمع ي خ ل أي ي ظن... و خ ي ل فيه الخير وتخيله: ظ نه وت ف ر س ه " 2 ومن خالل هذا التعريف يتبين لنا اقتران التخييل بالظنية التي تحيل إلى اإليهام وتدل على االشتباه. ولقد أثيرت قضية التخييلfiction La في الثقافات عموما ولعل الفكر الفلسفي اليوناني كان أول من أثار هذا اإلشكال اإلبداعي من خالل مفهوم المحاكاة 3 حيث جعله أرسطو المنطلق األساسي في إعادة إنتاج الواقع بطرق مختلفة إذ يرى أرسطو بان األديب حين يحاكي فإنه ال ينقل بل يتصرف في هذا المنقول ونجد أن أرسطو ذهب إلى أبعد من ذلك حين قال: "بأن الشاعر ال يحاكي ما هو كائن ولكنه يحاكي ما يمكن أن يكون أو ما ينبغي أن يكون بالضرورة واالحتمال" 4 ويتضح لنا من هذا حضور الجانب التخييلي للمحاكاة عند أرسطو بل نجده يضع حدودا أولية بين الواقعي والتخييلي حينما يقارن بين الشعر والتاريخ. 5-1 شعيب حليفي المتخيل والمرجع سيرورة الخطابات مجلة فصول في النقد القاهرة ع 66 ربيع 2005 ص: ابن منظور لسان العرب مج 2 ص: ينظر: سعيد جبار من السردية إلى التخيلية )بحث في بعض األنساق الداللية في السرد العربي( منشورات االختالف الجزائر ط ص: عزيز شكري ماضي في نظرية األدب ص: للتوسع: المرجع نفسه ص:

21 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" وباالنتقال إلى الفلسفة العربية واإلسالمية نجد حضورا قويا لمفهوم التخييل حيث ناقشه ابن سينا والفارابي والكندي وابن رشد وإخوان الصفا من خالل معالجتهم لمفهوم الشعر وقدموا تصورات وآراء وتحليالت يغلب عليها التصور المنطقي والعقلي حيث اعتبروه قياسا تخييليا يعتمد على مقدمات وهمية وصور كاذبة ال تخفى على المخاطب 1 كما اعتبروه أحد أقسام الحجج العقلية التي تبدأ بالخطابة ثم الشعر ثم البرهان ثم الجدل ثم السفسطة. فهذه الحجج تفيد إما تصديقا أو تأثيرا في غيره كالتخييل ومفيد التخييل الشعر ويجب أن يستعمل فيه هذا من جهة ومن جهة ثانية ركزوا على التصور السيكولوجي القضايا التخيلية 2 من حيث التأثير النفسي للتخييل على الملتقى حيث فاعلية التخييل تتم بعيدا عن العقل والمنطق أي ارتباط التخييل بالجانب النفسي والوجداني واالنفعالي دون الجانب العقلي حيث يحضر الجانب النفسي بقوة في تصور ابن سينا للتخييل يقول ابن سينا: "والمخيل هو الكالم الذي تدعن له النفس فتنبسط عن أمور وتنقبض عن أمور من غير روية وفكر واختيار وبالجملة تنفعل له انفعاال نفسيا غير فكري سواء أكان المقول مصدقا به أو غير مصدق به فإن كونه مصدقا به غير كونه مخيال أو غير مخيل. فإنه قد يصدق بقول من األقوال وال ينفعل عنه فإن قيل مرة أخرى وعن هيئة أخرى انفعلت النفس عنه طاعة للتخييل ال للتصديق فكثيرا ما يؤثر االنفعال وال يحدث تصديقا وربما كان المتيقن كذبه مخيال". 3 أما الدراسات البالغية العربية فقد استفادت كثيرا من التصورات الفلسفية للتخييل مما أعطاها نوعا من الخصوصية والتميز وتتضح مقاربة التخييل في البالغة العربية حينما نتعرض للجملة الخبرية صدق / كذب فمنهم من يصف الخبر بالكاذب لمخالفة الواقع ومنهم من جعله مخالفا العتقاد المتكلم وسواء كان - 1 ينظر: عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني ضوابط المعرفة وأصول االستدالل والمناظرة دار القلم دمشق ط ص: ينظر:أحمد عبد الفتاح الملوي شرح العالمة الملوي على السلم لألخضري في علم المنطق مطبعة محمد علي صبيح وأوالده ميدان األزهر مصر دط دت ص: ابن سينا كتاب الشفا ضمن كتاب فن الشعر ص: 161 نقال عن: سعيد جبار من السردية إلى التخيلية ص:

22 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" هذا الموقف أم ذاك فإن القيمة الصدقية للكالم هي التي تمنحه مشروعية التداول في حين أن هذا الال صدقي استطاع أن يجد لنفسه مكانا أو فضاء استقطب به جمهورا من المتلقين وقد اهتم به عبر خطابات نصية مختلفة تتفق جميعها في هذه القيمة الال صدقية التي هي التخييل. 1 وسنركز على مفهوم التخييل عند عبد القاهر الجرجاني حيث يلخص لنا الباحث سعيد جبار بعض النقاط التي سجلها حول التخييل في كتابه "أسرار البالغة" وهي كاآلتي: 2 التخييل عند عبد القاهر الجرجاني يرتبط بالكذب المطلق والخداع. يأتي التخييل على مراتب حسب قربه أو بعده من الحقيقة وحسب ارتباطه بتعليل أو عدم ارتباطه به. التخييل مكون بالغي أقوى من التشبيه واالستعارة. ارتباط التخييل مثله في ذلك مثل سائر المكونات البالغية األخرى بالشعر وهكذا يزداد الحديث عن التخييل اتساعا مع التطور الحاصل في مجال العلوم اإلنسانية والقفزة النوعية في مجال المناهج واألدوات اإلجرائية والتحليلية حيث نجد أن مفهوم التخييل ينفتح على عديد من الحقول المعرفية الحديثة ويسجل في هذا السياق انعطافا قويا حيث قام جيرار جنيت G.GENETTE بإعادة مناقشة مصطلح التخييل ضمن مفهوم أساسي وعام يتعلق باألدبية Littérature حيث يعده "اشتغال لغوي وممارسة لسانية لها خصوصياتها إنه فعل لغوي مرتبط بغاية ووظيفة وغائية قول التخييل ال تستجيب ألي شرط من الشروط )الصدق وااللتزام والقدرة على تبرير جدية القول( أي صحة مطابقته لما يحيل إليه إن الملفوظ التخييلي تنظمه صيغة االدعاء إنه زعم ينظر: سعيد جبار من السردية إلى التخيلية ص: 46. ينظر: المرجع نفسه ص: 49.

23 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" وإيهام يدعي مطابقته للواقع أو المرجع" 1 أي ما يحيل إليه ويمكن تلخيص رؤية جيرار جنيت للتخييل في المالحظات التالية: 2 التخييل نمط أدبي يتضمن نوعين هما: السرد والدراما وذلك من منظور تصنيفي اجناسي حيث يبحث في الخصائص البنيوية والداللية للنمط والنوع والتخييل هنا مظهر داللي أكثر منه شكلي وإن كان التخييل متجسدا في أنماط خطابية تظهر بمظهر شكلي تتطلب الدراسة والتحليل. التخييل عنصر مهم إلثبات األدبية كما أنه أخص خصائص اللغة حيث يمكننا القول إن " الوظيفة الجمالية للغة هي التخييل" 3 غير أن هذا المظهر ال يعد شرطا كافيا لتحديدها ما دامت هناك خطابات تخييلية غير أدبية إنه شرط الزم بمعنى انه جوهر الكيان التكويني لألدب. التخييل اشتغال لغوي إنه فعل لغوي له خصوصياته وتمفصالته البنائية والداللية فهو يشتغل على المستوى الفني في اللغة وال ينضبط إلى معيارية واضحة تكون فيها العالقة بين الدال والمدلول سطحية وأفقية بل يؤسس وضعية جديدة تكون العالقة بين الدال والمدلول عالقة ال يمكن تحديدها نهائيا بل المسألة في النهاية هي تأويل ممكن فقط. الحقيقة في التخييل حقيقة فنية وتخييلية ال يمكن معالجتها باعتماد منطقية أو مبادئ عقلية الخاص ويحدد طبيعة الحقيقة التي ينشدها آليات علمية موضوعية فهو خطاب يؤسس منطقه ويريدها إن منطق التخييل احتمالي وافتراضي واحتماليته قائمة على الهتك والخرق أو العدول واالنزياح ال على المطابقة والتماهي المصطفى سالم التخييل في الفكر النقدي المعاصر مجلة البالغة والنقد األدبي المغرب ع 2 يوليو 2015 ص:.65-2 ينظر: المرجع نفسه ص: آمنة بلعلي المتخيل في الرواية الجزائرية من المتماثل إلى المختلف دار األمل للطباعة والنشر والتوزيع تيزي وزو الجزائر ط ص:

24 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" التخييل من قبيل األقوال التي ال يمكن التحقق من صدقها أو كذبها إنه قول مجازي ال خبري وإحالة القول التخييلي إحالة تمثيلية ال تعيينية والمرجع هنا وهمي متخيل ال واقعي متحقق. التخييل فعل تمثيلي يجمع بين الشيء الممثل وصورته إنه يستلب الشيء الممثل وال يبقى إلى الصورة التمثيلية المتوهمة. - - هذا بالنسبة لجيرار جينيت فإذا تتبعنا مقاربة أمبرتو ايكو Umberto Eco فإن األمر يختلف وال سيما أن هذا األخير في المجال السردي يقوم بتوظيف العوالم الممكنة mondesمع possibles إدراكه لصعوبة األمر ألن السياق الفلسفي والمنطقي الذي ارتبطت به "نظرية العوالم الممكنة" يختلف تماما عن السياق السردي الذي استثمرت فيه هذه النظرية إذ يقدم لنا امبرتو ايكو تعريفا للعالم الممكن فيقول: "العالم الممكن هو وضع لألشياء معبرعنه بواسطة مجموعة من القضايا التي يكون فيها كل قضية إما ب أوال ب وهو عالم يتكون من مجموعة من األفراد المزودين بخصائص وبما أن هذه الخصائص أو المحموالت هي عبارة عن أفعال فإن العالم الممكن يمكن النظر إليه كذلك باعتباره مجرى من األحداث وبما أن هذا المجرى ليس متعينا بل هو ممكن فإنه يلزم أن يكون متعلقا بالمواقف القضوية التي يعلنها أو يعتقدها أو يرغب فيها شخص ما". 1 ومن خالل هذا التوصيف الذي يتصوره أمبرتو ايكو حول العالم الممكن في المجال السردي فإننا نجد أنفسنا أمام عالم احتمالي افتراضي يوجد بالموازاة أمام العالم الواقعي فالعالم الممكن ليس عالما واقعيا ألن النص الذي يصف حالة األشياء أو هذا المسار من األحداث هو "إستراتيجية لغوية تهدف إثارة تأويالت القارئ النموذجي وكما أن هذا التأويل يظهر في العالقة بين النص والقارئ 21-1 المصطفى سالم التخييل في الفكر النقدي المعاصر ص: 67.

25 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" النموذجي وبهذا يمكن القول أن النص التخييلي آلية إلنتاج العوالم الممكنة". 1 ويحاول الدكتور طه عبد الرحمن أن يتخذ موقعا متميزا يثير فضوال علميا خاصا في تحديده لمفهوم العالم الممكن يقول: "العالم الممكن حالة شاملة للموجودات جامعة مانعة إذ ما من حالتين جزئيتين للموجودات متعارضتين إال ودخلت فيه إحداهما وخرجت األخرى بحيث كل عالم ممكن هو بمنزلة مجموعة من القضايا تتميز باالتساق واالستيفاء فما من قضية إال و تلزم عن هذه المجموعة أو يلزم نقيضها" 2 وهذا مما يعني أن نظرية العوالم الممكنة عند طه عبد الرحمن تشتغل على مفهوم المماثلة والتباين بين الذوات والعوالم إذ أن أهم "المسائل التي تعالجها نظرية العوالم الممكنة هو وضع الذوات فيها فهل الذوات تتغير بتغير العوالم أم أن العوالم تتغير مع ثبوت الذوات أم أن للذوات نظائر هي التي تتغير بتغير العوالم الممكنة ". 3 إذا إن البحث في العوالم الممكنة هو في الوقت نفسه بحث في العوالم التخييلية ألن العوالم الممكنة تشتغل وتتضمن لغة العوالم التخييلية في ارتباطها بالعالم الواقعي الذي تحيل إليه إن وجد وعليه يمكن أن نقف عن ثالثة عوالم ممكنة في المجال السردي وهي: 4 العالم السردي: وهو أول عالم يكتشفه القارئ حيث يجد نفسه أمام متن حكائي معين هذا العالم المصرح به من طرف المؤلف يع ر ض على شكل متوالية من حاالت األشياء وذلك وفق المنطق الزمني المشتغل به فالعوالم السردية الموجودة داخل هذا المتن الحكائي ال تعتبر عوالم مستقلة بذاتها بل قد تكون حاالت - 1 المصطفى سالم التخييل في الفكر النقدي المعاصر ص: ط- ه عبد الرحمن في أصول الحوار وتجديد علم الكالم المركز الثقافي العربي المغرب ط ص: المرجع نفسه ص: ينظر: المصطفى سالم التخييل في الفكر النقدي المعاصر ص:

26 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" لنفس العالم الممكن وبهذا يحق للقارئ أن يقارن بين الحالة الموجودة داخل العالم السردي والحالة الموجودة خارج العالم السردي أو حاالت تنتمي إلى عالمه الخاص ومن هنا فإن القارئ يتوقع المتواليات السردية يتلقاها فقد تخالفه فيضطر إلى تغييرها وتأويلها وقد يتوقع القارئ المتواليات السردية فتثبت ما توقعه أو يحتمل وقوعه إلى آخر متوالية في النص السردي. العالم السردي للشخصيات: وسبب اهتمام أمبرتو ايكو بعنصر الشخصية كونها تمثل عينة أساسية من العوالم الممكنة داخل النص السردي حيث يعرض إيكو العالم المحكي للشخصيات باعتباره "مسارا من األحداث واألقوال الخاصة كما تتخيله هذه الشخصية أو تتمناه أو تريده وحالة المتن تثبت هذا التوقع أو تلغيه". 1 عالم القارئ: ونجد أن النص التخييلي يكون موضوعا للتفعيل ويصير غير كامل ووجود النص يفترض مشاركة القارئ النموذجي إلكمال داللة النص التخييلي فالنص ما هو إال "نسيج فضاءات بيضاء فرجات ينبغي ملؤها ومن يبثه يتكهن بأنها )فرجات( سوف تمأل فيتركها بيضاء لسببين: هو أن النص يمثل آلية كسولة )أو مقتصدة( تحيا من قيمة المعنى الزائدة التي يكون المتلقي قد أدخلها إلى النص" 2 مما يعني أن القارئ هو المسؤول على المساهمة والبيضات عبر ملء الفراغات التي تترك له المبادرة التأويلية أي أن العوالم الممكنة التي تشي د في النص يريد المؤلف منها أن تحقق أفق انتظار القارئ وأن تنسجم مع توقعاته. غير أن القارئ للنص يمكن أن يتجاوز هذا األفق الذي حدده له المؤلف فأمبرتو ايكو "مال إلى فكرة التفاعل بين النص والقارئ وبذلك تجاوز النظرة األحادية التي ت غلب إما قطب استجابة القارئ وإما قطب فاعلية النص". 3-1 المصطفى سالم التخييل في الفكر النقدي المعاصر ص: امبرتو ايكو القارئ في الحكاية تر: أنطوان أبو زيد المركز الثقافي العربي المغرب ط ص: أحمد يوسف القراءة النسقية سلطة البنية ووهم المحادثة منشورات االختالف الجزائر ط ص:

27 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" في المقابل يقف فولفغانغ إيزر - Wعلى Iser تجربة فريدة حيث قام بتجاوز بعض المسلمات القديمة التي ترى في التخييل سمة مميزة للخطاب األدبي لذا ألفينا منذ أمد طويل تعريف النصوص األدبية بأنها نصوص تخييلية فالنص التخييلي هو النص الذي ال مرجع له إال ذاته 1 وألن هذا التعريف الذي يتمسك بالتمييز القديم بين التخييل والواقع كإطار مرجعي لن نستفيد منه شيئا كثيرا مما جعل إيزر يتجاوز هذه التعريفات والمسلمات القديمة التي تنبني على تحديد التخييل في مفارقته للواقع وبما أن "النص األدبي مزيج من الواقع وأنواع التخييل ولذلك فهو ي و ل د تفاعال بين المعطى والمتخيل" 2 فيستحسن تجنب التعارض القديم بينهما ومن االلتفاتات المهمة في دراسة إيزر هو استبدال ثنائية الواقعي / التخييلي بثالثية الواقع والتخييل والخيالي وما النص األدبي عند إيزر تفاعل هذه العناصر الثالثة )الواقعي التخييلي الخيالي(. إال وعليه فإن النص األدبي نتاج تفاعل وتعالق بين الواقعي والتخييلي والخيالي فالعنصر الواقعي يشير إلى العالم األمبريقي وهو عالم "معطى" يوجد رهن إشارة النص األدبي ويقدم بصفة عامة الحقول المرجعية المتعددة واألنساق المعرفية والثقافية والسياسية والدينية واالجتماعية والتاريخية... فهو الحقل المرجعي للنص وذو طبيعة خارجية نصية. 3 أما العنصر التخييلي فهو فعل قصدي و تكون له جميع خصائص حدث ما وبالتالي ي خ ل ص لنا تعريف التخييل على أنه "إجراء لغوي مستمد من الطاقة التصويرية للغة ومن القدرة التمثيلية للذهن اإلنساني. إن الوعي بالكون وإدراكه متجسد في شكل تصورات وتمثيالت إنه بعبارة أخرى إمكان افتراضي يتموقع فيه ما هو كائن بعد أن تم تمثله". 4 وهذا التعريف يميل إلى جعل الطبيعة الخاصة للتخييل هو الخيالي وهو الصورة الخيالية - 1 ينظر: فولفغانغ إيزر التخييلي والخيالي من منظور األنطربولوجية األدبية تر: حميد لحمداني و الجاللي الكدية مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ط ص: المرجع نفسه ص: ينظر: المرجع نفسه ص: المصطفى سالم التخييل في الفكر النقدي المعاصر ص:

28 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" المتولدة عن فعل التخييل الذي مارس تأثيره على الواقع إذ ذلك الشيء الذي ال نستطيع مالمسته وال التعرف إليه في الواقع كما ال نستطيع أن نحصل عليه في التخييل نفسه أي مجموع العناصر المحولة من مرجعياتها والمنقولة من أنساقها األصلية عبر أدوات فنية ولغوية وبالغية وجمالية في ذهن اإلنسان بمعنى أن الحالة السيكولوجية الذهنية هي جزء من تصور جمالية األدب وتأويله. 1 وبما أن كل نص يتخلله عدد كبير من العناصر التي يمكن تحديدها فهذه العناصر منتقاة من الواقع واألنساق االجتماعية والمرجعيات واألنظمة وصور العالم... وغيرها. فإنها بمجرد أن تنتقل " من الواقع إلى داخل النص بل إن إعادة إنتاج هذه العناصر داخل النص التخييلي هي التي تبرز األهداف والمواقف والتجارب التي ليست بالتحديد جزءا من الواقع الذي ي عاد إنتاجه وبالتالي تظهر هذه العناصر في النص كنتاجات لفعل تخييلي" 2 وبهذا يحدد لنا إيزر طبيعة الفعل التخييلي فيما يلي: 3 تجاوز الحدود: وهذه العالقة تكمن في أن تستخرج من الطبيعة الخاصة للفعل التخييلي وكلما انتقلت العناصر الواقعية إلى النص أصبحت لها دالئل أخرى وبالتالي دفعت لتتجاوز وتنسلخ من طبيعتها األصلية. االنتهاك: تشكل االنطباعات حول األنظمة واألنساق التي تزول بسرعة أو تتغير. المقصدية: فعل التخييل مرتبط بالمقصدية وله رسالة محددة يجعل المستحيل أو غير الممكن يتخذ صورة أو شكل يدرك من خاللهما ينظر: المصطفى سالم التخييل في الفكر النقدي المعاصر ص: فولفغانغ إيزر التخييلي والخيالي ص: 08. ينظر: المصطفى سالم التخييل في الفكر النقدي المعاصر ص: 79.

29 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" ولقد انطلق مشروع إيزر من الحقل األدبي عموما واألدب الرعوي خصوصا حيث اتخذه عينة لرصد تمظهرات التخييل وكما أشار إيزر إلى ثالثة أفعال تخييلية تنظم البنية النصية في بعدها األدبي: 1 االنتقاء: وباعتبار أن النص األدبي نتاج لمؤلف ما يظهر موقفا خاصا يوجهه من خالل نفسه نحو العالم فكل نص أدبي يتضمن حتما عملية انتقاء واختيار من األنساق األدبية واالجتماعية والتاريخية والثقافية التي توجد باعتبارها مجاالت مرجعية خارج النص 2 حيث يتم توظيفها بطريقة انتقائية داخل النص األدبي. التركيب: هو فعل تخييلي ينتج عن تركيب تلك العناصر المنتقاة حيث يقوم المؤلف بتجميع تلك األنساق والمرجعيات في سياقات جديدة بحيث تندمج الدالالت فيما بينها داخل النص األدبي مما يؤدي إلى إبراز "حقيقة" النص أو ما يسميه كودهان ب " الواقع المستمد من التخييل". 3 الكشف الذاتي: وهو السمة الثالثة في بنية الفعل التخييلي إنه ذلك الفعل الذي يكشف فيه النص التخييلي ويعلن عن طبيعته التخييلية الخاصة 4 وبهذا فإنه يستدعي موقفا مختلفا عن المواقف التي يتخذها تجاه األعمال التخييلية التي ت خفي تخييلها. إن التخييل الذي نروم مقاربته في هذه الدراسة هو تخييل " مرتبط بالمحكيات الواقعية Recitsfactuels التي تتجلى في صورتها األولى كسرود تنتج ما وقع وتعمل على توثيقه ألن وظيفة التخييل هنا تكتسب خصوصية داللية بما ينظر: المصطفي سالم التخييل في الفكر النقدي المعاصر ص : ينظر: فولفغانغ إيزر التخييلي والخيالي ص :11. ينظر: المرجع نفسه ص: 14. ينظر:المرجع نفسه ص: 18.

30 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" تضفيه على األحداث والوقائع من دالالت ضمنية بعيدة عن داللتها الطبيعية والتي تستخلص من خالل السياق العام الذي أنتج فيه النص" 1 األدبي. وعليه إن التخييل مكون أساسي ألدبية وفنية النص األدبي إذ " يتعايش التخييلي إلى جانب الواقعي بشكل متفاعل ومتداخل يساهم في إنتاج داللة جديدة تمرر عبر رسالة تواصلية" 2 تهدف إلى صياغة الواقع جديد من أجل عالم بديل مفتقد غير أن بنيته التكوينية تتطلب وجود عناصر أخرى حسب ما ذهب إليه إيزر والمتمثلة في: الواقعي والتخييلي والخيالي. مفهوم 4-1- التخيل التاريخي: منذ أن عرف اإلنسان الرواية والتساؤالت واالستفسارات تطرح عليه كل يوم عن ماهية الرواية والتاريخ وعن العالقة التي بينهما وبهذا ظلت هذه الثنائية موضوعا يشغل علم السرد والدراسات النقدية الحديثة حيث نجد عبد هللا إبراهيم في كتابه الموسوم ب "التخيل التاريخي السرد واإلمبراطورية والتجربة االستعمارية" يطالب باالنتقال من مصطلح "الرواية التاريخية" إلى مصطلح أكثر دقة "التخيل التاريخي" وهذا بغية تخطي مشكلة األنواع األدبية وحدودها ووظائفها اإلجناسية حيث هوية سردية جديدة ال يتم تفكيك ثنائية الرواية والتاريخ ويعاد دمجها في يرهن نفسه ألي منهما كما أنه يعيد أمر البحث في مقدار خضوع التخيالت السردية لمبدأ مطابقة المرجعيات التاريخية وذلك باالنفتاح على كتابة ال تحمل وقائع تاريخية وال تعر فها. إنما تبحث الماضي من خالل أطروحات المستقبل وإكراهاته عن مقدرتها في احتواء وتبحث عن التمثالت الرمزية فيما بينها ومن خالل الكشف عن التأمالت والمصائر والتواترات واالنهيارات القيمية والتطلعات الكبرى فتجعل من كل هذا إطارا تنظيميا ألحداثها ودالالتها. فكل هذه المسارات الكبرى يقترحها عبد هللا ابراهيم في مصطلح "التخيل سعيد جبار من السردية إلى التخيلية ص: 63. المرجع نفسه ص: 62.

31 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" التاريخي" حيث تتحرر تلك الكتابة السردية من موقع جرى تقييد حدوده النوعية إلى تخوم رحبة للكتابة المفتوحة على الماضي والحاضر. 1 وفي هذا السياق يعرف لنا عبد هللا إبراهيم "التخيل التاريخي" فيقول هو: "المادة التاريخية المتشكلة بواسطة السرد وقد انقطعت عن وظيفتها التوثيقية والوصفية وأصبحت تؤدي وظيفتة جمالية ورمزية فالتخييل التاريخي ال يحيل على حقائق الماضي وال يقررها وال يروج لها إنما يستوحيها بوصفها ركائز مفسرة ألحداثه وهو من نتاج العالقة المتفاعلة بين السرد المعزز بالخيال والتاريخ المدعم بالوقائع ولكنه تركيب ثالث مختلف عنهما". 2 وبهذا التعريف نجده يحدد لنا منزلة "التخيل التاريخي" في منطقة "التخوم الفاصلة بين التاريخي والخيالي فينشأ في منطقة حرة مكوناتها بعضها من بعض وكونت تشكيال جديد متنوع العناصر" 3 وهذا من خالل نصوص أعيد حبك موادها التاريخية فامتثلت لشروط الخطاب األدبي حيث انفصلت عن سياقاتها الحقيقية الواقعية ثم أدمجت وأدرجت في سياقات مجازية إذا فابتكار حبكة للمادة التاريخية هو الذي يحولها إلى مادة سردية وهذا التحبيك يؤدي بدوره إلى التوفيق بين األحداث وسياقاتها المختلفة فيقوم بالتوسط بين طرفين متنازعين االنسجام والتنافر وهذا ما اصطلح عليه "بول ريكور" ب "الهوية السردية" هي بؤرة التي يقع فيها التبادل والتمازج والتقاطع والتشابك بين التاريخ والخيال بواسطة السرد فينتج بذلك تشكيل جديد يكون قادرا على التعبير عن حياة اإلنسان بأفضل مما يعبر عنه التاريخ وحده أو السرد األدبي بذاته ومفرده. 4 ولقد حاولت الباحثة آمنة بلعلي تعريف " التخيل التاريخي" انطالقا من التفريق بينه وبين "تأويل التاريخ" حيث ترى أن "التخيل التاريخي" يجنح ينظر: عبد هللا إبراهيم التخيل التاريخي ص: 05. المرجع نفسه ص: 05. المرجع نفسه ص 06. ينظر: المرجع نفسه ص:

32 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" فيه "الروائي إلى تخيل أحداث تاريخية ممكنة في إطار تاريخي حقيقي فالحكي ينطلق من كليات المادة التاريخية والتخيل ينشغل بإنتاج ما يمأل ذلك اإلطار من تفاصيل وجزئيات فالتاريخ هنا يبدأ حين تنتهي الرواية". 1 إننا هنا أمام ما يمكن تسميته إلباس التاريخ الفكرة التي يطرحها الروائي وينطلق منها بينما تعرف لنا "تأويل التاريخ" بأنه هو الذي يجنح "فيه بعض الروائيين إلى أخذ المادة التاريخية المتحققة سلفا واالشتغال على الحدث أو الشخصية التاريخية أو الموضوع التاريخي وتأويلها بما يخدم مقاصدهم فنقرأ تاريخا ولكن من منظور الروائي الذي يوجه القارئ نحو أحداث أو صفات لشخصيات تاريخها مختلف عما عهده المتلقي أي أنه يحور فيها ويسائلها ويحاور بعض قضاياها فربما حول المتن هامشا والهامش متنا". 2 فالتاريخ في هذا النمط من الكتابة الروائية سابق للرواية وهذا بخالف النمط األول غير أن " التخيل التاريخ" و " تأويل التاريخ " وعلى الفرق بينهما فإنهما يمثالن وجهين لعملة واحدة فالتخيل التاريخي ينبني أساسا إظهار الجانب الفني والجمالي للرواية بينما تأويل التاريخ فإنه في األصل منفتح على عدة قراءات وتأويالت تؤثث إلنتاج البعد اإليديولوجي والمعرفي للرواية. الظاهر على تخيل والفكري وكما هو واضح جلي فرواية " كتاب األمير " مسالك أبواب الحديد لواسيني األعرج. قد جمعت بين التخيل التاريخي وتأويله لتشيد نصا يأتلف فيه التاريخي بالروائي على شكل انعطافات فنية وتحوالت أسلوبية تفضي إلى إبراز حركة التجريب الدؤوبة التي جعلت من تفاعل التاريخ والرواية موضوعا لها. - 1 آمنة بلعلي الرواية الجزائرية بين تخيل التاريخ وتأويله أبحاث ملتقى الباحة األدبي الخامس 1433 ص: المرجع نفسه ص: 272. ه 29

33 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" التخييل الروائي وخطاب التاريخ في رواية" كتاب األمير": -2 إن الحديث عن العالقة الجدلية بين الرواية والتاريخ يتجلى من حيث الماهية فكل منهما "رضع من ثدي واحد هو الخبر" 1 وان كالهما خطاب وخطاب سردي على وجه الخصوص وإن اختلفا في عالقة كل منهما بالمرجع فالرواية التخييلية أساسا والتاريخ مرجع أوال. 2 وال يمكننا إدراك هذه العالقة بين الرواية والتاريخ إال من خالل التناص Intertextualité باعتبار التاريخ مادة منجزة سابقة والرواية نصا الحقا ومن هنا فإن الرواية اختارت المادة التاريخية المرجعية وأعتبرتها من أهم الروافد السردية القريبة منها حيث اتخذتها مجاال لها في إن تقول التاريخ ولكنها تقوله على طريقتها أي أنها ال تكرره. بل ترفع الغطاء عن المستور فيه والمسكوت عنه. 3 وهذا ما يحاول "كتاب األمير" االضطالع به في الحدود التي يسمح بها التخييل فالروائي "يستعين بالمادة التي يقتبسها من التاريخ ويعيد بناءها على نحو تبدو فيه هذه األحداث التي عاشها األمير عبد القادر إبان االستعمار الفرنسي وكأنها جاءت إلى النص وهي أكثر اكتماال" 4 ومهما رجع الروائي إلى التاريخ الواقعي الماضي فسيظل خطابه مندرجا في حقل التخييل فالرواية " ومن خالل حواريتها ال يمكن أن تكون إعادة كتابة للتاريخ وإنما هي أتون ينصهر فيه العنصر التاريخي مع عناصر أخرى تسهم جميعا في بناء الكون التخييلي للرواية" 5 وتصبح إذا "بالمفهوم السيميائي نصوصا تامة Phéno Texstes يتعامل معها المتلقي على أنها نصوص خداج يعتريها كثير من النقصان وكأنه خالد طحطح الكتابة التاريخية دار توبقال للنشر المغرب ط ص: 123. ينظر:محمد القاضي الرواية والتاريخ ص: 149. ينظر:المرجع نفسه ص: أحمد يوسف الشرط التاريخي وإيحاءات الغيرية ص: 76. محمد القاضي الرواية والتاريخ ص: 150.

34 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" يقرؤها ألول مرة قراءة حيوية تستعيد بوساطتها األحداث التاريخية نشاطها الداللي المفتوح" 1 وسيرورتها التأويلية. ومن هنا فإن رواية "كتاب األمير" خطاب تخييلي يؤدي وظيفة جمالية ورمزية ولكنه يعقد عالقة مع التاريخ في كونه مادته األساسية التي يريد بها الروائي الحقيقة وبهذا يكون التاريخ موضوعا للتخييل 2 إذا كيف تعامل الروائي مع التاريخ في هذه الرواية وما اإلستراتيجية التي تبناها في توظيف هذا التاريخ داخل المتن الروائي وهل هذا التوظيف التاريخي يخدم طرحا إيديولوجيا ما 2-1- إستراتيجية النقل التاريخي: يذكر لنا الباحث نضال الشمالي طرقا عديدة يتم من خاللها استحضار النص التاريخي وإدخاله داخل المتن الروائي وهي كاآلتي: 3 أ- استدعاء الوقائع والشخصيات التاريخية: وفي هذه الطريقة تتوسل الرواية بالتاريخ الستكناه الحاضر من أجل إنشاء عوالم تخييلية بحتة نجد هذا في رواية جمال الغيطاني "زيني بركات" فالوقائع في هذه الرواية عكست الحاضر المعيش. ب-إيجاد مناخ تاريخي تضطلع فيه شخصيات غير تاريخية لم يخصصها التاريخ بالدقة التي خصص بها الشخصيات التاريخية المثبتة نصا بأعمال متخيلة والهدف هو مناقشة فترة زمنية محددة الستخالص العبر والغايات ونجد هذا في رواية "ثالثية غرناطة" لرضوى عاشور. ت-استحضار نوع سردي قديم بوصفه شكال واعتماده محفزا إلنجاز مادة روائية وتتدخل بعض قواعد النوع القديم في الخطاب فتبرز من خالل أحمد يوسف الشرط التاريخي وإيحاءات الغيرية ص: 76. ينظر: عبد هللا إبراهيم التخيل التاريخي ص: 05. ينظر: نضال الشمالي الرواية والتاريخ ص:

35 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" أشكال السرد أو أنماطه أو لغاته أو طرائقه ونلمس هذا في رواية "رسالة الصباية والوجد" لجمال الغيطاني. ث-قراءة األحداث التاريخية من خالل انعكاسها على الناس البسطاء الذين عاشوا تلك الفترة كيف كانت أفعالهم وردود أفعالهم وهذا أجل التغلب على نمطية السرد التاريخي حيث تتركز العناية بالحياة الشعبية واألشخاص العاديين. ج- عدم الميل إلى التاريخ الرسمي ألن هذا التاريخ كتبه الحكام واألقوياء ويديرون أحداثه ويوجهون مصائر األفراد و الشعوب و الدول في الوقت الذي غيبت فيه وجهات النظر األخرى أو غيرت وعليه فهو تاريخ من طرف واحد. في حين يحدد لنا الباحث محمد رياض وتار 1 طريقتين أساسيتين إلدخال النص التاريخي في الرواية: - فإما أن يأتي النص التاريخي خارج السياق النصي في شكل من الشكلين اآلتيين: مقدمة الرواية. مقدمة األجزاء والفصول. - وإما أن يأتي النص التاريخي داخل السياق النصي الروائي وفي هذا يأخذ شكلين هما: أن يحافظ على بنيته وشكله. أن يتماهى بالسرد الروائي ويصبح جزءا منه. وانطالقا مما سبق فإن النص الروائي "كتاب األمير" يقوم على توظيف التاريخ في صور شتى و بكيفيات مختلفة وعبر مستويات سردية وخطابية متعددة ويمكن تمثيلها كاألتي: 32-1 ينظر: محمد رياض وتار توظيف التراث في الرواية العربية ص:

36 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" النقل التاريخي المباشر: ويحرص فيه المؤلف على االستشهاد المباشر للنصوص التاريخية داخل النص الروائي حيث " يرد النص التاريخي في النص الروائي أحيانا كما هو في المصادر التاريخية " 1 أي انه يرد في شكل بنية مستقلة محصورة بين قوسين أو مكتوبة بخط غليظ وبهذا فالنص التاريخي يحافظ على بنيته وشكله وحرفيته. على هذا النحو يتبين لنا أن الروائي "اتبع إستراتيجية سردية صارمة كان حريصا فيها على ضبط المادة التاريخية حتى ال يحيد عن معقولية ومنطق الموضوعية التاريخية" 2 ويتجلى هذا النقل المباشر للنصوص التاريخية في رواية "كتاب األمير" باستحضار الوثيقة التاريخية والتي تتخذ أشكاال متنوعة مثل: الرسائل المعاهدات االتفاقيات البنود المصالحات االعترافات... إن الوثيقة التاريخية هي وسيلة البحث العلمي في التاريخ ولعل تعريف بندتو كروتشيه Benedetto Croce للوثيقة التاريخية أهم تعريف على اإلطالق وقد تبنى المؤرخ عبد هللا العروي هذا التعريف فيقول: "يعنى المؤرخون بالوثائق عادة المعاهدات والعقود العدلية والقرارات اإلدارية والرسائل الدبلوماسية إلخ. وال شك أن هذه تمثل من جهة بقايا من إنجازات الماضي ولكنها من جهة ثانية تمثل شهادات عن الواقع ومن هذا المنظور يجب أن تضاف إلى أقوال الشهود كما أن األخبار المروية تكتسي وجهين اثنين مهما استخففنا بها كروايات فإنها تحتفظ بمجرد كونها رواية بقيمتها كشهادة". 3-1 محمد رياض وتار توظيف التراث في الرواية العربية ص: عبد الرزاق دحمان رؤية الواقع وإشكالية المعرفة في "كتاب األمير" لواسيني األعرج مجلة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية واالجتماعية جامعة محمد خيضر بسكرة ع 12 جانفي 2013 ص: أحمد بوحسن الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" لواسيني األعرج ضمن كتاب الهوية والتخييل في الرواية الجزائرية قراءات مغربية رابطة أهل القلم ط ص :

37 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" وهكذا سيظل استغالل الوثائق التاريخية مستمرا لتوسيع آفاق المعرفة والفهم "وليس التاريخ غير استثمار الوثائق". 1 ولقد كانت رواية "كتاب األمير" وفية للتاريخ إلى حد بعيد وإننا لندهش حقا لغزارة المادة التاريخية التي حوتها الرواية 2 وبخاصة تلك الوثائق التي تنفتح على الذاكرة وتستعرض مختلف المواقف و الوقائع والمعارك والمحن واللقاءات واألسفار... والتي مثلت منعطفات كبرى في الرواية: خطب األمير وبيعته ورسائله ومعاهداته واتفاقياته... وهذا نموذج لرسالة بعثها األمير عبد القادر لديبوش والمؤرخة يوم 24 صفر من سنة 1265 هجرية. " بسم هللا الرحمن الرحيم من الخادم البسيط لسيد األكوان الذي ال يدخر جهدا للخير ولمساعدة اآلخرين الذي يطلب التضحية بالنفس والنفيس والذي ال ترد ودائعه ]...[ كلنا نتمنى رؤيتك قريبا ونرجوك أن تأتينا في أقرب وقت إذا سمحت لك الظروف وداعا يا سيدي األعظم من عبد القادر بن محي الدين". 3 إن اقتران هذه الرسالة بالتوثيق الزمني وتذييلها بذكر اسمه يوحي بواقعيتها وموضوعيتها ومن المعلوم أن توظيف الرسائل داخل النسيج السردي للرواية يمثل "إجراءا كتابيا يعمق من خالله الكاتب اإلمكانات التعبيرية للحبكة السردية" 4-1 خديجة زتيلي عقم االتجاه الوضعي في التاريخ عند ر.ج كولنجوود مجلة دراسات فلسفية جامعة الجزائر ع ص:.86-2 ينظر: محمد القاضي الرواية والتاريخ ص: واسيني األعرج رواية "كتاب األمير" مسالك أبواب الحديد منشورات الفضاء الحر الجزائر ط ص : إدريس الخضراوي الرواية العربية وأسئلة ما بعد االستعمار رؤية للنشر والتوزيع القاهرة ط ص:

38 الفصل األول حوارية الروائي والتاريخي في رواية "كتاب األمير" وتؤدي هذه الرسائل دورا مركزيا يتمثل في تجسيد وجود موضوعي وتوثيقي ويؤثث لخلق صورة متكاملة للعالقة التي جمعت بين األمير وديبوش. ومن الوثائق التي وظفها الروائي "المعاهدات" حيث ظهرت بالتفاوت طوال وقصرا والتي ساقها الراوي بالفرنسية في المتن الروائي وقلما ترجمها أو بالعربية أحيانا وذلك اإللحاح على االلتزام بما جاء في الوثيقة التاريخية 1 ونالحظ هذا في معاهدة "وثيقة فوارول": أنظر أقرأ يا السي مصطفى ماذا يقول فوارول في تقريره. - فتح مصطفى ابن التهامي الورقة الكبيرة مهمال الترجمة الملصقة بها وبدأ يقرأ بعينيه ويتمتم كمن يخاف أن يسمع صوته: - Ce chef est aussi entreprenant qu ambitieux mérite toute l attention du gouverneur général qui doit s en méfier puisqu il " 2 إن ممارسة الروائي في "اإلصرار على اقتياد الشاهد التاريخي خطوة أخرى لتأكيد واقعية الحكي وحقيقة األحداث لهذا شكل التاريخ في هذه الرواية باإلضافة إلى كونه مادة الحكي بنية اختزالية وفرتها مصادر تاريخية متنوعة" 3 ولكن هذه الواقعية ما هي إال واقع أنتجه التخييل وإن حضور النصوص التاريخية "مقحمة في سياق روائي ليتعزز التوليد الروائي بشواهد التاريخ حتى يكون اإليحاء متعلقا مع إمكانية التأويل بناءا على البعد التخييلي. بحقائق الواقع" ينظر: محمد القاضي الرواية والتاريخ ص: 148. واسيني األعرج رواية" كتاب األمير" ص: 101. عبد السالم أقلمون الرواية والتاريخ ص: 192. المرجع نفسه ص: 221.